طرح المشكلة
إن استمرارية ورقي أي دولة أو مجتمع بشريا يقتضي انتهاج نظام اقتصادي معين ، يضمن تجنب مشاكل اقتصادية واجتماعية ويحقق الرفاهية والتوازن الاجتماعي لهم فالاقتصاد هو العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالنشاط الإنساني المؤدي إلى خلق النافع او زيادتها أو هو علم تنظيم الثروة الطبيعية و البشرية إنتاجا و توزيعا و استهلاكا و نظرا لتعدد النظم الإقتصادية هذا ما خلاف جدال في اوساط الفلاسفة و علماء الاقتصاد حول طبيعة النظام الإقتصادي الانجح لتحقيق الازدهار الإقتصادي هناك من يرى أن مراعاة المصلحة الجماعية الفردية لوسائل الإنتاج و تشجيع الحرية في جميع المجالات هو ما يحقق الإزدهار الإقتصادي و البعض يرى أن مراعاة المصلحة الجماعية و محو الفوارق الاجتماعية و تحقيق العدالة بين الجميع هي ما تحقق الإزدهار الإقتصادي ضمن هذا الجدال الفلسفي نتساءل نحن بدورنا هل النظام الرأسمالي القائم على الحرية الفردية كفيل بتحقيق رفاهية الشعوب وتحقيق العدالة الاجتماعية ? أو بتعبير آخر ماهو النظام الإقتصادي الانجح لتحقيق الازدهار الإقتصادي في المجتمع ?
عرض منطق الأطروحة
يؤكد أنصار النظام الليبرالي الرأسمالي وهم العالم الإقتصادي آدم سميث وعالم الإقتصاد البريطاني دافيد ريكاردو و جون باتيست ساي أن التطور الإقتصادي يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية و المحافظة عليها و أن الرأسمالية تقوم على أساس طبيعية كفيلة بسعادة المجتمع و حفظ التوازن الإقتصادي فيه و أساس ذللك الحرية الطبيعية الفردية التي تعتبر ملازمة لقانون المنفعة الشخصية وبالتالي يجب ترك الحرية للفرد في العمل و الإنتاج و الربح و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين بحيث يعتمد على مبادئ تعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها في تعامله ومن أهمها الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و كذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية والجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و كذلك نجد قانون العرض و الطلب وهو قانون طبيعي يحدد الأسعار و الأجور فإذا زاد الطلب قل العرض و العكس ، ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم على مسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبرالية دعه يعمل أتركه يمر و إذا كان تدخل الدولة يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافس الحر بين المنتجين يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و في هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ( ،وما يميز هذا النظام أنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ،و الملكية الخاصة و حب الناس للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ،لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده
النقد
رغم النجاح الكبير الذي حققه النظام الرأسمالي وقدرته على النفوذ في اقتصادات معظم دول العالم خاصة الغربية وما رافقه من تطور تكنولوجي مذهل ، إن الثروة ورؤوس الأموال في الاقتصاد الليبرالي الحر تتركز في يد الأقلية فقط دون الأغلبية وهذا ما أدى إلى تقسيم المجتمع إلى طبقتين طبقة غنية مالكة للثروة ووسائل الإنتاج وطبقة أخرى فقرة تعمل ولا تكسب ، فالغني في النظام الرأسمالي يزداد غنى والفقير يزداد فقرا وبذلك اتسعت الهوة بين الطبقتين بالإضافة إلى الأزمات والمشاكل التي تعرض لها النظام الرأسمالي في تاريخه مثل ” أزمة الكساد الكبير سنة 1929 ، وأزمة الرهن العقاري سنة 2008 ” وقد أدى أيضا إلى نشوب حروب ومشاكل بين الدول عبر عنها الفيلسوف ” جوريس ” بمقولته الشهيرة ( إن الرأسمالية تحمل الحروب مثلما يحمل السحاب المطر )
عرض نقيض الأطروحة
وعلى انقاض النظام الرأسمالي ظهر نظام اقتصادي جديد و المتمثل في النظام الإشتراكي والذي يرى انصاره وعلى رأسهم عالم الاقتصاد و الفيلسوف الألماني كارل ماركس و الفيلسوف الإجتماعي فريدريك انجلز أن النظام الإشتراكي هو الذي يحقق الرخاء الإقتصادي و العدالة الاجتماعية و المساواة و القضاء على الطبقية وإلغاء استغلال الإنسان للأخيه الإنسان من خلال مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص و تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ويقوم النظام الاشتراكي على عدة أسس ومبادئ أهمها الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج على اعتبار أنها تساوي بين أفراد المجتمع فلا يشعر احد منهم بالظلم ، كذلك يرفض هذا النظام استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ، كما دعا العمال إلى التوحد وذلك في مقولة ” ماركس ” الشهيرة ( يا عمال العالم اتحدوا ) ويقول أيضا ( إن الرأسمالية تحمل في طياتها بذور فنائها ) ، ومن منظري هذا النظام أيضا الفيلسوف الألماني ” فردريك انجلز “الذي أعجب بكتاب كارل ماركس ” رأس المال ” وسار في نفس خطاه ، كما يؤكد هذا النظام أيضا على ضرورة تدخل الدولة في كل النشاطات الاقتصادية والتحكم فيها وذلك عن طريق ما يسمى بعملية التخطيط المسبق لسير الاقتصاد من طرف الدولة ، لقد سعى النظام الاشتراكي إلى تحقيق المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الأفراد ومحو كل إشكال التمييز والتفرقة الاجتماعية ،ولقد نجح هذا النظام في التحقق على ارض الواقع بعد الثورة البلشفية التي قامت في روسيا سنة ” 1917 ” و التي قضت على النظام الرأسمالي وأسست لعهد جديد بظهور الاشتراكية وتوسعها في كثير من دول العالم إلى غاية نهاية الحرب الباردة .
النقد
رغم أن الاشتراكية تعبر تاريخيا عن وعي الإنسانية ، ونضالها الدائم من اجل العدل والمساواة وحاربت التفاوت والاستغلال لا أنها لم تخلو هي الأخرى من العيوب والسلبيات ولعل أهم هذه السلبيات تمثل في قمعه للحرية الفردية التي تعتبر شيئا مقدسا للإنسان وكذلك أدى تطبيقه إلى الاتكال على الدولة في كل شيء والى المشاكل الإدارية ممثلة في البيروقراطية وكذا غياب المبادرة الفردية ، وأدت أيضا إلى ركود وجمود اقتصادي كبير وواضح لدى الدول الاشتراكية ، ولعل أهم دليل على فشل الاشتراكية هو انهيارها السريع في معظم الدول التي تبنت هذا النظام وأفضل مثال على ذلك انهيار المعسكر الشيوعي ممثلا في الاتحاد السوفياتي أمام المعسكر الليبرالي
التركيب :
إن كل من النظامين السابقين لم يخلو من العيوب والمشاكل رغم تفوق الرأسمالية التي لازالت تعاني من الأزمات من حين لآخر إلا أن النظام الاقتصادي الإسلامي أو بتعبير أفضل الممارسة الاقتصادية في الإسلام تضمن لحد كبير تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية كما تضمن الرفاهية ، إذ أن الإسلام يقبل شكلين من الملكية ، الملكية الفردية الخاصة والملكية الجماعية وهي أيضا تجمع بين السياسة والدين والاقتصاد وهي بهذا تمجد الفرد و الجماعة في آن واحد وتكفل مصلحتهما معا ، كما بينت الممارسة الاقتصادية في الإسلام الشروط الأخلاقية التي ينبغي أن تقوم عليها الحياة الاقتصادية في المجتمع وهذا الجانب لم يراعيه كلا النظامين السابقين ، فرفضت كامل أشكال الغش والربا و الاحتكار والتبذير حيث منعت النظرة الإسلامية للاقتصاد الاستبداد والتعسف في استخدام المال سواء كان خاصا أو عاما ولقد عرفت هذه الممارسة الاقتصادية اهتماما كبيرا من علماء الاقتصاد لاسيما بعد الأزمة المالية العالمية “2008 / 2009 وذلك من اجل الوصول إلى معاني اقتصادية متكاملة تقوم على أسس أخلاقية
حل المشكلة
نستنتج في الأخير أن تحقيق الإزدهار الإقتصادي يتطلب مراعاة الجوانب المادية و الأخلاقية فالاقتصاد الرأسمالي يشجع و يهتم بالمبادرات الفردية و يسعى إلى جودة الإنتاج و خلق مجال للإبداع لكنه أهمل الجوانب ا الأخلاقية ام النظام الإشتراكي حاول أن يحقق المساواة بين الناس و ضمان عدم سلب حقوقهم و القضاء على الطبقية و الاستغلال ولكنه لم يستطع تجنب الإهمال و رداءة الإنتاج ومن هنا فالنظام الإقتصادي الإسلامي بتعبير أفضل الممارسة الاقتصادية هو الذي يحقق الرخاء الإقتصادي من كل جوانبه الذي يجعل من المال كوسيلة و ليس كغاية و يهتم بمصلحة الفرد و الجماعة على حد سواء وفق حدود الشريعة الإسلامية ولكن المشكلة تكمن في عدم جدية معظم الدول الإسلامية في تطبيقه يقول الله تعالى : (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )
استقصاء هاذي
ردحذف