السؤال :
" يمكن تجاوز عوائق الظاهرة الحية و من ثم دراستها دراسة تجريبية " دافع عن صحة الأطروحة
طرح المشكلة :
ارتبطت الدراسة العلمية بالمنهج التجريبي حيث اعتبر الأسلوب الوحيد لتحقيق القوانين العلمية خاصة بعد ما طبق على المادة الجامدة ]الفيزياء ، الكيمياء [ و حقق بالفعل نتائج أبهرت العلماء إذ مكنتهم من التحكم في الظواهر و التنبؤ بها مستقبلا و من هنا حاول العديد من العلماء من تعميم هذا المنهج على بقية الظواهر الأخرى منها الظاهرة الحية حيث حاول البيولوجيون دراستها دراسة علمية لكن بسبب خصائص هذه الأخيرة و المختلفة عن سابقتها تعذر في البداية تطبيق المنهج التجريبي بنفس الصورة و شاع لدى بعض الفلاسفة و علماء البيولوجيا أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية و إن الدراسة العلمية في المادة الحية أمر متعذر ومستحيل و النقيض من ذللك يرى ان الدراسة العلمية في البيولوجيا أمر ممكن حيث تمكن العلماء من تجاوز كل العوائق و نجحوا استخدام المنهج التجريبي في الماد ة الحية و إ ن كنا بصد د الدفاع عن هذه الأطروحة الصحيحة و المشروعة القائلة "يمكن تجاوز عوائق الظاهرة الحية و من ثم دراستها دراسة تجريبية" فماهي ياترى الحجج و البراهين التي تثب ت صدقها و مشروعيتها و الأخذ بها ?
عرض منطق الأطروحة :
يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية إن الدراسة العلمية في البيولوجيا أمر ممكن حيث تمكن العلماء من تجاوز كل العوائق و نجحوا استخدام المنهج التجريبي في الماد ة الحية ويتجلى نجاح لذلك من خلال التقدم و التألق المستمر في علم البيولوجيا وقد تبنى هذا الموقف كل من كلود برنار ،باستور و يبرر هؤلاء موقفهم بالحجج و البراهين الآتية ان المادة الحية لا تختلف عن المادة الجامد ة في الجسم الحي مثل الجسم الجامد، لأن كلاهما يتكون من نفس العناصر الكيميائية حيث أننا نجد في تحليل الجسم الحي الأوكسجين، الكربون، الهيدروجين.الفوسفور ،الكالسيوم ،الحديد والأملاح المعدنية وغيرها من المواد الكيميائية يقول في هذا الشأن هايزنبرغ :”إن التفاعلات الموجودة في الطبيعة ما هي إلا تلك التفاعلات التي تحدث على مستوى الجسم.” كما أن التطور العلمي، والتكنولوجي على مستوى وسائل الملاحظة و التجربة )كجهاز الراديو، المجهر الإلكتروني ،الايكوغرافي ، الليزر … إلخ(و كذا تطور الكيمياء الحيوية مكّن العلماء من إجراء عدة تجارب حيث أصبح من الممكن التجريب على بعض الأعضاء دون إبطال وظائفها ،ووضعها في بعض المحاليل الكيميائية ووسط صناعي ملائم ،وأصبح بالإمكان ملاحظة عمل الكائن الحي مفصولا عن الجسم دون أن يؤثر ذلك سلبا على الوحدة العضوية للكائن الحي. أما العقبات الأخلاقية و الإجتماعية فقد أصبحت أكثر تفهما و من الأثار الإيجابية التي تثبت نجاح تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة الحية هو التطور الكبير الذي حققته مختلف فروع البيولوجيا كالطب حيث نشهد اليوم عمليات جراحية ناجحة في زراعة الأعضاء، وكذا تركيب الأعضاء الاصطناعية،ولعل الاستنساخ يعبر عن أقصى ما بلغه الإنسان في نجاحه التجريبي في المادة الحية وتبعا لذلك يصرح البروفيسور كنيدي من مجموعة الهندسة البيولوجية الأمريكية : “أنه خلال عام 1984 أصبحت عمليات استبدال الأنسجة، والأعضاء المعطوبة عملية عادية، وشائعة” .كما إستطاع العلماء الكشف عن أسباب و أسرار العديد من الأمراض و التحكم فيها كالسكري، الضغط الدموي والتحكم في السرطان في بدايته.إلى جانب النجاح الذي حققه العلماء في علم الوراثة الذي مكن من تصحيح العديد من الأخطاء الوراثيّة و التحكم في الكائن الحي و تركيبته و يعود الفضل الكبير في تطور البيولوجيا إلى كلود برنار الذي اجتهد من أجل إخراج العلوم البيولوجية من أزمتها الى مجال الإزدهار والتقدم معتبرا ان المادة الحية يمكن دراستها تجريبيا شرط الحفاظ على خصوصيتها
عرض منطق الخصوم و نقدهم :
غير أن لهذه الأطروحة خصوم وهم الفلاسفة الذين يرون ان الدراسة العلمية في المادة الحية أمر متعذر ومستحيل، بحيث أن المادة الحية ممثلة في الإنسان والحيوان والنبات تتميز بخصائص معقدة تختلف كثيرا عن المادة الجامدة لذا اصطدم العلماء في تطبيقها للمنهج التجريبي بعوائق ق شتى الطبيعة الموضوع ،وتصنيف الحوادث وتعميم النتائج ،وصعوبة التجريب.، وقد تبنى هذا الموقف مجموعة الفلاسفة و المفكرين ومن بينهم ، كوفي ، وكانت دولوي و بعض أنصار النزعة الأخلاقية وبرروا موقفهم بالحجج التالية أن المادة الحية لا تقبل الدراسة العلمية التجريبية لوجود جملة من العوائق تتمثل في طبيعة الموضوع ع المدروس في البيولوجيا تدرس الكائن الحي ” الإنسان ،الحيوان ، النبات ” و هذا الكائن يتميز بالوحدة العضوية ،إذ كل جزء فيها تابع للكل أجزاء الكائن الحي مرتبطة ببعضها وتؤلف وحدة غير قابلة للانقسام و كل محاولة لاستئصال العضو من العضوية يؤدي إلى موته و بالتالي تتغير طبيعته ،عكس المادة الجامدة التي لا تشكل أية وحدة متماسكة،إذ يمكن تفكيكها إلى أجزاء متناهية دون أن تفقد هذه المادة طبيعتها،،يقول كوفي:”إن سائر أجسام الجسم مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تستطيع الحركة إلا بقدر ما تتحر ك كلها، و الرغبة في فصل جزء عن الكتلة معناه نقله إلى نظام الذوات الميتة أي تبديل ماهيته تبديلا تاما
نقدهم :
تعرض هذا الموقف لعدة انتقادات بالتالي لا يمكن التسليم بصحته بحيث نقر بوجود هذه العوائق التي أخرت العلماء في الوصول إلى قوانين ،و عرقلت إلى حد ما تقد م هذا العلم ،لكن العلماء لم يقفوا مكتوفي الأيدي ،بل تحدوها وقدموا بدائل رائعة في التجريب بما يوافق طبيعة المادة الحية ،وما هو مشاهد في عصرنا أن البيولوجيا بلغت مبلغا كبيرا من التقدم بسبب التطور الحاصل في حياتنا والمتمثل في وجود آلات جد متطورة مكنت الإنسان من جعل ما كان مستحيلا يمكن زراعة الأعضاء مثلا
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية :
ان هذه الانتقادات الموجهة إلى موقف الخصوم تدفعنا إلى البحث عن حجج جديدة ندافع بها عن هذه الأطروحة القائلة " يمكن تجاوز عوائق الظاهرة الحية ومن ثم دراستها دراسة تجريبية" لعل اهمها يقول كلود بيرنار : ” على البيولوجيا أن تعتمد على منهج العلوم الفيزيائية مع الاحتفاظ بشروط الماد ة الحية و قوانينها ” وقد أثبت أن المادة الحية تخضع لمبدأ الحتمية والإطراد وكل شروط و قوانين المنهج التجريبي و ذللك من خلال تجربته الشهيرة على الأرانب، حيث لاحظ وجود تغيرعلى بول الأرانب ثم افترض سبب هذا التغيّر و قام بعدها بتطبيق التجربة عليه وبعد تكرار التجربة عدة مرّات و على عدة حيوانات وصل إلى قانون عام هو “جميع الحيوانات آكلة العشب تخضع لحتمية أنها : إذا أخضعت للتجويع فإنها تتغذى من البروتين المدخر في جسمها” يقول كلود برنارد “يمكننا ف ي ظواهر الأجسام الحية على غرار ما يمكننا في ظواهر الأجسام الجامدة من معرفة الشروط التي تدبر أمر الظواهر “ و كذا تجارب “باستور” الذي صحح فكرة النشوء العفوي للجراثيم ، وأثبت أن منشؤها الهواء المحمّل بالبكتيريا ، وبفضل طريقتي التلازم في الحضور، و التلازم في الغياب استطاع أن يحارب مرض الجمرة الخبيثة الذي كان يصيب الشياه، حيث أخذ مجموعتين ونقل المرض إلى إحداهما وطعم الأخرى بلقاح مضاد مكّنها من مقاومة المرض في حين هلكت الأخرى، فطوّر بذلك فكرة التطعيم وهي طريقة فعّالة في الوقاية من الأمراض وعلاجها
حل المشكلة :
إنطلاقا مما سبق تحليله و نظرا لما قدمته البيولوجيا من نتائج اصبح أي إنكار لعلمية الظاهرة البيولوجية إنكار باطل فالبيولوجيا اليوم ساعدت الإنسان على أن يتجاوز العديد من المشاكل إما بالقضاء عليها نهائيا كالقضاء على بعض الأمراض التي كانت مميتة او بخلق الوسائل المناسبة للتكيف معها كوسائل التكيف مع الإعاقات أمام هذا الإنجاز لا يسعنا إلا الإقرار و بصورة أكيدة أن البيولوجيا علم قائم بذاته له مكانته الراقية بين العلوم و منه يمكننا استنتاج أن الأطروحة القائلة يمكن تجاوز عوائق الظاهرة الحية و من ثم دراستها دراسة تجريبية اطروحة صحيحة و مشروعة
تحميل من هنا :