مدونة الأستاذ محمد التعليمية

مدونة الأستاذ محمد التعليمية تهتم بالجانب التعليمي دروس مقترحات في الفلسفة و إجتماعيات ملخصات البكالوريا المصداقية في نشر المعلومات أخبار شهادة البكالوريا شرح تسجيلات البكالوريا و الجامعة مواضيع و حلول في الإجتماعيات مقالات فلسفية رائعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

مقالة فلسفية حول سلبيات و إيجابيات العادة العلامة الكاملة لا تندم عليها بكالوريا 2023


 طــــرح الــمــشــــكلــــة :

تصدر عن الإنسان العديد من السلوكات و التصرفات منها ما هو غريزي فطري و منها ما هو تعودي مكتسب يمثل العادة و تعرف العادة على أنها سلوك مكتسب دائما نسبيا أو قدرة مكتسبة على أداء عمل ما بطريقة تتخللها السرعة و الدقة هذا حول مفهوم العادة أما وظيفتها فقد أثير جدل و نقاش بين الفلاسفة و المفكرين و علماء الإجتماع وصل إلى العناد الفكري بين من يرى أن العادة سلوك إيجابي تحقق تكيف الإنسان مع الواقع تتمتع بالحيوية و المرونة و هناك من يرى أن العادة سلوك سلبي تعيق التكيف و تسبب الإنحراف ضمن هذا الجدال الفلسفي نتساءل بدورنا هل العادة سلوك إيجابي أم سلبي؟ أو بعبارة أخرى : هل العادة من حيث طبيعتها إيجابية أم سلبية؟ أو هل العادة تكيف أن إنحراف في السلوك ؟

 الــــمـوقـــــف الأول :

يرى أنصار الموقف الأول أن العادة سلوك إيجابي تحقق و تجسد ذلك من خلال ضمانها لتكيف الإنسان مع واقعه و يمثل أنصار هذا الموقف "ويليام جيمس و جون ديوي و آلان و مين دو بيران " حيث يتفق هؤلاء حول الفكرة القائلة أن العادة تؤثر على سلوك الإنسان تأثيرا إيجابيا على مختلف المستويات لما تتمتع به من مرونة و حيوية فالدور الإيجابي الذي تلعبه العادة في تحقيق التكيف و التوافق بين الفرد و بيئته و إدراكه الصحيح للأمور و ذلك أن الإنسان في إدراكه للعالم الخارجي و محاولة التكيف معه لا يكتفي بما يملك من قدرات طبيعية بل هو في حاجة إلى تعزيزها بما يتعلم و ما يكتسب من عادات في خدمة هذا التكيف و لقد برر هؤلاء موقفهم بجملة من الحجج : 

تساهم العادة و بشكل فعال بإزالة العناء و الشقاء عن حياة الإنسان و يظهر ذلك من نواحي عديدة : فعلى المستوى الحركي و الجسمي تساعد العادة صاحبها على توفير الوقت و الجهد في أداء العمل مما يسمح له القيام بأعمال أخرى و التكيف بسرعة مع المواقف الجديدة كما أنها كشف لمهارات و تجلي لروح النظام فمثلا : سائق السيارة الذي يقود بمهارة نجده في الوقت نفسه يتبادل أطراف الحديث مع الركاب و يستمع للمذياع حيث قال سولي برودوم في هذا الصدد :" لو لم تكن العادة تسهل لنا الأشياء لكان في قيامنا بوضع ملابسنا و خلعها نستغرق يوما كاملا " إن كل حركة جسمية هي في الأصل نتيجة لعادة و الدليل على ذلك الرياضي الذي عود جسمه ببعض المهارات في الحركات فهو يقوم بها بكل حرية و إرادة أما الذي لم يعود جسمه على ذلك يصاب بتشنج عضلي لذلك قال آلان ": إن العادة تمنح الجسم الرشاقة و الليونة " و قال أيضا :" هي القدرة على أداء عمل ما كنت في بداية الأمر عاجزا على آدائه " و يمكن أن نلاحظ ذلك من خلال الطفل الصغير أثناء تعلمه للكتابة ففي البداية تكون حركاته عنيفة و تشمل في ذلك التوتر العضلي للجسم كله لكن تزول رويدا رويدا و الفضل في ذلك يعود كله إلى العادة بحيث تحقق المهارة و السرعة كما تظهر فاعليتها على المستوى النفسي تحقق التوازن النفسي فمن خلال السلوكات التعودية تزيد الثقة في النفس و بالتالي يتخلص الفرد من الحركات الخاطئة و يعوضها بحركات ناجحة يقول جون ديوي :" كل العادات تدفع بالقيام بأنواع معينة من النشاط و هي تكون في النفس " فالعادة تحد من تأثير العواطف و الرغبات في نفوسنا كما تقوي قدراتنا على التحمل و الصبر فمثلا : الطبيب لا يتأثر بأنين مرضاه و هكذا فقط يمكنه من آداء عمله بشكل دقيق و ناجح بخلاف الطبيب المتربص فإن يجد في البداية صعوبة في سماعها كما أنها توفر على الإنسان عناء التفكير فهو لا يحتاج إلى وقت كبير في إصدار الأحكام لأنه سوف يقرر وفقا لما تعود عليه فمثلا طالب الفلسفة سيحكم على الطريقة التي يعالجها السؤال بناءا على ما تعود عليه في القسم فهي تساعد في إقتصاد الجهد و الوقت و الإرادة و التركيز حيث يقول وليام جيمس :" لولا العادة لقضينا أياما كاملة في أعمال تافهة " فإن العادة الفعالة الخاضعة للإرادة و الوعي تعمل على تحرير الإنتباه و تساعد على التفكير الناجح حيث يتسنى للمرء ترتيب أفكاره و العمل على تنسيقها يقول جون ديوي :" العادة تحكم قيادة قيادة أفكارنا فتحدد ما يظهر منها و ما يقوى و ما ينبغي له أن يذهب من النور إلى الظلام " بالإضافة إلى ذلك تساعد العادة على إبراز إمكاناتها و مواهبها لهذا قيل :" العادة مصدر الإبداع في جميع الميادين " فهي تساعد على إكتساب نشاطات و مهارات جديدة مثال الشخص الذي تعود الضرب على الآلة الراقنة يجد سهولة في إستعمال الكمبيوتر حيث يقول آلان في هذا الصدد :" العادة هي فن القيام بنشاط دون أن نفكر فيه بل أحسن مما لو فكرنا فيه "

نــقـد الــموقــف الأول :

لو نظرنا إلى هذا الموقف نظرة ناقدة لوجدنا فيه بعض النقائص رغم الآثار الإيجابية إلا أن العادة تبقى لها آثار سلبية فهذا الموقف ركز على إيجابيات العادة و تغاضى عن سلبياتها و بذلك العادة ليست دائما سبيلا لتحقيق إنسجام الفرد مع واقعه بل هناك من العادات إذا إستحكمت في النفس فإنها تؤثر على حياة الفرد السوية و علاقته بالآخرين و على فاعليته في المجتمع حيث يقول كانط : " كلما امتلك الإنسان عادات كلما قلت حريته و إستقلاليته " و لقد نبه علماء الأخلاق إلى إستبداد العادة و طغيانها فبمرور الزمن تصبح عائقا أمام الإرادة الإنسانية فمرونة هذا السلوك تؤول في كثير من الأحيان إلى التصلب و الآلية و هذا ما يؤدي إلى الثبات و السكون في سلوك الإنسان و القول بأن العادة سلوك تكيفي مبالغ فيه لأنه غير متجدد و يؤدي إلى التكرار كما أن العادة تقيد الفرد بسلوكات يصعب عليه التخلص منها مثلا : التعصب الفكر أو التعود على بعض العادات الإجتماعية السيئة كالأخد بالثأر و السحر و الشعوذة فالعادة سلوك إذا أحكم قيوده على النفس يجعل الإنسان كالآلة و يقتل لديه الإبداع و حب التغيير كما تنشر الكسل و الإحباط

المــوقــــف الـثــــانــــي :

يرى بعض الفلاسفة و المفكرين أن لعادة سلوك سلبي تعيق التكيف نظرا للآلية التي تتميز بها فهي لها إنعكاسات سلبية على مختلف جوانب حياة الإنسان الفكرية ، النفسية ، الإجتماعية و الأخلاقية ، الجسمية ، الحركية و يتبنى هذا الموقف كل من " برغسون , روسو , كانط , ياسبيرس " و يبرر هؤلاء موقفهم بالحجج و البراهين الآتية : 

إن العادة تشل حركة التفكير و الإبداع فالإنسان إذا تعود على نمط معين من الافكار و إعتقد بصحتها فإنه يصعب عليه تغييرها فهي بذلك تقضي على الروح النقدية التي يتميز بها التفكير العلمي و تؤدي إلى التخلف لأنها تقف مانعا أمام ظهور أفكار جديدة مثل تعصب المذاهب الفلسفية في العصر الحديث و كذلك الرفض الذي قوبل به غاليلي في العصور الوسطى عندما قدم نظرية جديدة في الفلك ” دوران الأرض ” رغم صحتها و سبب ذلك أنها جاءت مخالفة للفكرة التي كانت سائدة أنذاك ” الأرض مسطحة” لذلك يقول ياسبيرس ” إن العلماء يفيدون العلم في النصف الأول من حياتهم و يضرون به في النصف الثاني من حياتهم ” و يقول برغسون ” العادة جمود “ كما أن للعادة إنعكاس سلبي على المستوى النفسي فهي تنتزع من الإنسان إنسانيته و تفرغه من المشاعر والأحاسيس و يصبح شبيها بالآلة فالطبيب مثلا يقوم بعمليات جراحية و عمليات التشريح دون أن يثير ذلك فيه أي أحاسيس و ذلك لكثرة قيامه بهذه العمليات وكذلك المجرم المحترف لهذا الفعل لا يكترث لعواقب إجرامه وما تلحقه الجريمة من أضرار نفسية ومادية بضحاياه وهذا لغياب الشعور والإحساس يقول روسو” إن العادة تقسي القلوب ” و يقول برودوم ” جميع الذين تستولي عليهم العادة يصبحون بوجوههم بشرا وبحركاتهم آلات “ و إجتماعيا فإن تعصب المجتمع للعادات والتقاليد يحول دون الإصلاح والتجديد مما يؤدي إلى الرتابة وعدم مواكبة التطور مثل رفض المجتمع التخلي عن بعض المعتقدات و الخرافات رغم بطلانها من الناحية المنطقية و العلمية و الدينية لذلك يقول كانط ” كلما إزدادت العادات عند الإنسان كلما أصبح أقل حرية و إستقلالية “ أما أخلاقيا فإن تعود الإنسان على القيام بالرذائل و الأفعال السيئة مثل إدمان المخدرات ، السرقة … إلخ تجعل الفرد أسيرا لعاداته و ضعيف الشخصية أمام الشهوات والأهواء يقول روسو ” خير عادة أن لا يألف الإنسان أي عادة “ فعلى المستوى الجسمي و الحركي فلقد أكدت العديد من الإختبارات البيولوجية أنه من تعودت أعضاءه على حركة ما يصعب عليه تغيرها و مثال ذلك الأطفال الذين يعانون من التشوهات فسوء الجلوس أيضا قد يؤثر على سلامة العمود الفقري

نـــقـــد المـــوقـــف الثـــانـــي :

لكن ما ذهب إليه أنصار هذا الموقف مبالغ فيه كثيرا لا ننكر أن العادة تؤثر تأثيرا سلبيا على الفرد لكن الإنسان ككائن حي عاقل و واعي له الإرادة و العزيمة و القدرة على تجاوز العادات السيئة فكم من مدمن على المخدرات إستطاع أن يتجاوز هذه العادة بفضل القوة و العزيمة فرغم السلبيات التي تؤدي إليها العادة إلا أنها في الحقيقة آداة تغيير و تكيف مع الواقع ففي طبيعتها إيجابية و إن كانت تحمل سلبيات فإن الخلل في ذلك يعود إلى إستخدام الإنسان لها إن الإنسان في المراحل الأولى من حياته يتعلم المشي و الكلام ليمشي بعد ذلك بسهولة دون أن يتعثر و يتكلم كذلك بسهولة و طلاقة فهدا الموقف قد أغفل أن للعادة دور هام في التكيف مع محيط الإنسان فإن العادة تبقى أسمى طرق التكيف مع الواقع من خلال تنظيم حياة الفرد و تلخيصه من العشوائيات التي تدفع به إلى الإنحراف عن مسار الحياة السوية

الــــتــركــــيــب :

يمكن الجمع و التوفيق بين الموقفين بالقول أن قيمة العادة مرهونة بنوع الفعل الذي نرسخه في أنفسنا و هو ما يجعلها إيجابية تتضمن تكيف الفرد أو يجعلها سلبية تعيق تأقلم الفرد مع محيطه فالعادة قد تحمل الشر فهي وجهان مختلفان أي سلاح ذو حدين إما أن تكون حسنة و مساعدة على التكيف مع الواقع و إما تكون سيئة و روتينية و قاتلة لأي مبادرة و تجديد حيث يقول شوفالي : " إن العادة هي آداة حياة أو موت حسب إستخدام الفكر لها " حيث الوجه الإيجابي حين تكون نتائجها إيجابية و مفيدة إذا تحكمت فيها إرادة الفرد و كانت قابلة لتجديد و التطور و ملائمة القيم الدينية و الخلقية مثل عادة إفشاء السلام وجه سلبي إذا كانت نتائج سلبية و استنيت من الإرادة و كانت صلبة و غير قابلة للتعديل و غير متوافقة مع القيم المثلى مثل العادات الغير أخلاقية : كالنميمة و الغيبة و بالتالي فالعادة تؤثر على سلوك الإنسان بحسب علاقتها بالإرادة فإن العادة تحدد قيمتها حسب إستخدام الإنسان لها فإن إستخدامها على النحو الصحيح كانت له آداة تكيف و إنسجام أما إذا استخدمها على نحو سلبي أدت به إلى الإنحراف و بالإرادة يستطيع الإنسان أن يتخلص من كل العادات السيئة التي اكتسبها

حــــل الــمــشكــلــة :

نستنتج في الأخير من خلال الموقفين أن للعادة جانب و أثر إيجابي في حياة الفرد كما لها أثر سلبي في حياته و هذا الأثر ليس قيمة ذاتية للعادة إنما هو نتيجة لإختياراتنا و إدارة سلوكاتنا و بالعودة إلى وظيفة العادة في الأساس هي ضمان تكيف الفرد مع الواقع غير أن هذا التكيف قد لا يتم إذا غاب الوعي و الإنتباه و بالتالي فإن قيمة العادة و أثرها في النفس متوقف على طريقة إستخدام الفكر لها و على إختياره لنوع الفعل. كما تتحد قيمة العادة من خلال علاقة الذات بالعادات فإذا سيطرت الذات على العادة إستخدمتها كوسيلة لبلوغ غايات الفرد و إذا أحكمت العادة سيطرتها على النفس جعلت من الفرد عبدا لها و آلة نخلص في الأخير إلى القول بأن العادة سلاح ذو حدين فأثرها على السلوك يرتبط بكيفية إستخدام الإنسان لها و من خلال التنشئة و التربية السوية يمكن التحكم فيها و توجيهها الوجهة الحسنة

التحميل من هنا : 

مقالة العادة pdf


عن الكاتب

prof mouhamed

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الأستاذ محمد التعليمية