مدونة الأستاذ محمد التعليمية

مدونة الأستاذ محمد التعليمية تهتم بالجانب التعليمي دروس مقترحات في الفلسفة و إجتماعيات ملخصات البكالوريا المصداقية في نشر المعلومات أخبار شهادة البكالوريا شرح تسجيلات البكالوريا و الجامعة مواضيع و حلول في الإجتماعيات مقالات فلسفية رائعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

أروع مقالة حول نتائج الرياضيات موسعة هل "نتائج الرياضيات تعبر عن الدقة و اليقين أم النسبية و التقريب " ؟ بكالوريا 2023


 مقالة نتائج الرياضيات 

 نص السؤال : هل نتائج الرياضيات تعبر عن الدقة و اليقين أم النسبية و التقريب ؟

طرح المشكلة : 

تعتبر الرياضيات من أقدم العلوم التي عرفها الإنسان، وهي ذلك العلم الكمي الذي يهتم بدراسة المقادير الكمية القابلة للقياس بنوعيها. كم متصل وتعنى بدراسته الهندسة ومثاله الخطوط والمستقيمات ، وكم منفصل ويهتم بدراسته الجبر والحساب ومثاله الأعداد. ومن المعروف أن نظرية النسبية في العلم، قد قلبت الكثير من مفاهيم العلوم المعاصرة، وجعلتها تنظر إلى دراساتها ونتائجها من زاوية الحقائق النسبية. ونفس هذه القاعدة نجدها قد ظهرت بجلاء في ميدان الرياضيات، حيث احتدم الجدال والنقاش في الأوساط الفكرية والفلسفية حول قيمة اليقين الرياضي، وظهر بذلك اتجاهان متعارضان : يرى أنصار الاتجاه الأول منهما أن نتائج الرياضيات مطلقة وواحدة تمتاز بالدقة واليقين، بينما يؤكد أنصار الاتجاه الثاني على نسبية نتائجها وتغيرها من هنا ولرفع التعارض والجدال بين الاتجاهين حق لنا أن نتساءل : هل الرياضيات كتفكير مجرد صناعة صحيحة ويقينية في كل الأحوال؟ أم أنها نسبية احتمالية؟ وبعبارة أخرى: هل اليقين الرياضي يقين مطلق أم نسبي؟

عرض منطق الأطروحة : 

يرى عدد من الفلاسفة،المفكرين والرياضيين وعلى رأسهم الفيلسوف والرياضي الفرنسي "ديكارت" وكذلك الهولندي "سبينوزا" ". أن الرياضيات هي لغة المفاهيم والصور العقلية المجردة، والتي تعبر عن المعارف اليقينية التي تتصف بالدقة والمطلقية واليقين، ولهذا فهي النموذج الأرقى والأكمل الذي تسعى إليه كل المعارف والعلوم الأخرى وتقوم هذه الأطروحة على أساس مسلمة مفادها: أن الرياضيات هي المفاهيم الأكثر بساطة، والأكثر وضوحا، وأنها مفاهيم ثابتة مترابطة فيما بينها، مطلقة لا شك فيها، وهذا ما أثبته الكثير من العلماء والفلاسفة والرياضيين. وباختصار الرياضيات مطلقة ويقينية وصدق مفاهيمها متوقف على اعتمادها على فكرة ومعيار البداهة والوضوح. فهي تتميز بأنها تنطلق من مقدمات تجعلها مطلقة لأنها تعتمد على مبادئ وهي البديهيات، المسلمات والتعريفات ثم الوصول إلى نظريات ونتائج لا تتناقض مع تلك المبادئ. فالبديهية مثلا هي قضية أولية يصدق بها العقل وهي عامة يقينية واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان. لأنها تدخل في نسيج الفكر البشري، ومن أهم البديهيات عند "إقليدس" نجد أن "الكل أكبر من جزئه" و لقد أكد "ديكارت" على قيمة البداهة في بناء المنهج الرياضي الذي اعتمد فيه على أربعة قواعد و هي : البداهة ، التحليل، التركيب والإحصاء. وجعل البديهية من الأفكار الفطرية. يتجلى ذلك من خلال قوله "لا أقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا" وفي عبارة أخرى "لا تصدق إلا ما هو بديهي" الرأي نفسه نجده أيضا عن "سبينوزا" الذي أكد هو الآخر على مطلقية الرياضيات وأنه لا يمكن الشك في فكرة البداهة لأن الشك في البديهية يعني الشك في مبادئ العقل الفطرية، وما دام الجميع ملزم على الإيمان بصدق مبادئ العقل فإن الجميع ملزم بالتصديق بالبداهة. يقول"البداهة هي معيار الصدق والكذب" ومن الذين دافعوا عن مطلقية الرياضيات نجد أيضا الفيلسوف الألماني "كانط" الذي يعتقد أن الرياضيات حقائق مطلقة، وأنها وحدها تنفرد في امتلاك "التعريفات" والتعريف هو القول الشارح الشيء، ويكون ذلك بذكر خصائصه وصفاته الجوهرية، ومن بين التعريفات الرياضية نجد أن "المثلث هو الشكل الناتج عن تقاطع ثلاث مستقيمات فيما بينها"، والمستقيم هو "مجموعة من النقاط على استقامة واحدة"، والنقطة هي "ما ليس له طول ولا عرض ولا ارتفاع". والذي يثبت صدق هذه المفاهيم الرياضية هو أنه لا أحد يمكنه إبطال وتكذيب أي تعريف لإقليدس. فهي تعريفات لا تخطئ، فالمربع مثلا : كمفهوم ذهني مجرد، يتجلى في أذهاننا واضحا وبسيطا، ليس فيه أي غموض ولا يرتبط بغيره إلا بعلاقة كمية، كذلك من الأدلة التي اعتمدها أنصار المطلقية. أن أساليب البرهنة في الرياضيات الكلاسيكية تعد معيارا للصدق واليقين لأنها تراعي الانسجام المنطقي للعقل. فنتائجها تتميز بالانسجام مع مبادئها ومنطلقاتها التي أنتجتها، والالتزام بأنساقها بعيدا عن التناقض. أي انسجام الفكر مع نفسه، لهذا يصرح "بوريل" أن الرياضي يعرف ما يصنع وما يبدع على أساس الملاءمة واليقين، ووفاء تفكيره لمنطلقاته وعدم تناقضه معها، لهذا فإن نتائج الرياضيات تعبر عن الإبداع والابتكار وفعالية العقل لأنها تتصف بالخصوبة، وليست مجرد تكرار للمقدمات، أي أن الرياضي يصل إلى نتائج تحمل معارف جديدة غير متضمنة في المقدمات وفي هذا يقول ديكارت : "القياس المنطقي عقيم أما الاستدلال الرياضي فهو منتج " فالرياضيات تعتمد على الطريقة التركيبية لأن الرياضي ينتقل من مبادئ بسيطة إلى إنشاء نتائج مركبة وجديدة،وهذا ما أكده "غوبلو" في قوله : " ليس الاستدلال الرياضي استدلالا تأمليا محضا بل فعال وإنشائي، فالنشاط الإنشائي الذي يقوم به الفكر هو الذي يظهر نتيجة جديدة" أكد كذلك "باسكال" صدق ومطلقية الرياضيات قائلا : "الهندسة هي الوحيدة من العلوم التي تنتج براهين معصومة من الخطأ" ولا أدل أيضا من الواقع المعاصر الذي يثبت فعلا أن الرياضيات أصبحت لغة لكل العلوم. فهذه الأخيرة تسعى لأن تعبر عن نتائجها بلغة رمزية رياضية لما تحمله من دقة ويقين. وهو ما نجده في "الفيزياء" التي تسعى لاعتماد المنهج الرياضي قصد بلوغ اليقين الذي حققته الرياضيات. فالفيزياء الرياضية لم تنشأ إلا يوم فكر "كيبلر" و "غاليلي" و "نيوتن" في استخدام "الأعداد" من أجل معرفة الكون المادي.وربما هذا الذي جعل "أوغيست كونت" يؤكد قيمة اليقين الرياضي قائلا : "الرياضيات هي الآلة الضرورية لكل علم" وحتى العلوم الإنسانية ترحب اليوم بالأعداد والمعادلات. فهي تعبر عن حقائقها تارة في صورة قياس أو إحصاء وتارة أخرى في صورة احتمالات.وليس من الغريب بعد هذا أن يتطلع كل علم من العلوم إلى الدقة التي تمتاز بها الرياضيات وينحو نحوها. كتب الفيلسوف الفرنسي "برغسون" يقول : "إن العلم الحديث وليد الرياضيات وإن أي علم ما كان لينشأ إلا يوم تمكن الجبر من اصطياد حقائق العلم وإيقاعها في شباكه" هذا دون أن ننسى أن الرياضيات تعتمد على مبادئ انطباق الفكر مع نفسه (مبدأ الهوية ، مبدأ عدم التناقض...) بالإضافة إلى اعتمادها المنهج الإستنتاجي الاستنباطي الذي يجعل من نتائجها مطلقة يقينية وكانت بحق العلم الوحيد الذي أبدعه الإنسان والذي ينتج براهين معصومة عن الخطأ فالنتائج الحسابية مثلا ترغم الدارس على تقبل صدقها مثال : 1+1=2. من هنا كانت الرياضيات كتفكير "مجرد" صناعة صحيحة ويقينية. وقيمتها تتجلى في اليقين الذي تعرف به مفاهيمها من جهة، وفي اللغة التي تستعيرها العلوم الأخرى من جهة ثانية

نقد و مناقشة : 

لكن و رغم ما قدمه أنصار هذا الموقف من أدلة وحجج لتبرير موقفهم الرامي إلى التأكيد على قيمة الرياضيات وما تتمتع به من يقين.إلا أنهم قد بالغوا في تفسيرهم لقيمة الرياضيات لأنهم رفعوا من شأنها ودافعوا عن مطلقيتها. بينما الواقع يؤكد بأنها تتصف بالنسبية والاحتمالية والتقريب. ورغم أهمية الطرح الذي تقدم به هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بصحته مطلقا. لأن الرياضيات تبقى مجرد إبداع إنساني ومن غير المعقول أن ينتج العقل النسبي مفاهيم مطلقة. كما أن العقل ناقص وقاصر وليس في وسعه أن ينتج لنا براهين مطلقة ثابتة. ومن جهة أخرى فالرياضيات الإقليدية الكلاسيكية حتى وإن بدت يقينية فإن يقينها يبقى منطقيا فقط (يحقق الانسجام المنطقي بين المقدمات والنتائج) فهذا اليقين يفنده الواقع الذي يمتاز بالتغير. كما أن معيار البداهة والوضوح الذي اعتمده أنصار المطلقية معيار ذاتي نسبي يختلف من شخص إلى آخر. فما يراه أحدنا بديهيا قد لا يكون كذلك بالنسبة لآخر. بالإضافة إلى أن الرياضيات قد تطورت وتغيرت عبر مرور الزمن من رياضيات كلاسيكية إقليدية إلى رياضيات معاصرة نسقية لا إقليدية.

عرض نقيض الأطروحة : 

لهذا نجد عددا آخر من المفكرين والفلاسفة والرياضيين من أنصار الرياضيات المعاصرة اللاإقليدية، وعلى رأسهم "راسل" و "بوليغان" يعتقدون أن الرياضيات نتائجها نسبية احتمالية. وأن الرياضيات لم تعد توصف بأنها النموذج الأرقى والأكمل للدقة واليقين وهي ليست بالصناعة الصحيحة في كل الأحوال. ولقد اعتمد هؤلاء على مسلمة أساسية مفادهما : أن تطور العلوم فرض تأسيس القطيعة مع فكرة المطلقية أو اليقين الرياضي. ولتبرير موقفهم اعتمدوا على حجج ومبررات لعل أبرزها أن ظهور المنهج الأكسيومي الافتراضي قد حطم فكرة البداهة وأصبحت كل القضايا الرياضية مجرد أوليات نسبية قابلة للنقاش وهذا الأمر جعل الرياضيات قادرة على مسايرة العلم و تطوره وبتعبير آخر ظهور النسق (النظام) الأكسيومي (الافتراضي) جعل من الرياضيات تتميز بتعدد الأنساق ، والتعدد يعني النسبية ، وهذا ما أكده "بوليغان" بقوله : "إن كثرة الأنظمة في الهندسة دليل على أن الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة" وهذا التعدد تجلى من خلال نسق العالم الرياضي الروسي "لوباتشيفسكي" الذي افترض أن المكان مقعر، وكذلك الألماني "ريمان" الذي افترض بأن المكان كروي محدب. كذلك يتجلى هذا التعدد من خلال "نظرية المجموعات" التي قدمها "جورج كانتور" والذي أثبت أن الجزء يمكن أن يساوي أو يكبر الكل، وبذلك يكون قد حطم فكرة البداهة التي كانت تعد مقياسا للصدق واليقين الرأي نفسه نجده عند "هوسرل" الذي أكد هو الآخر من خلال كتابه "تأملات ديكارتية" أن تطور العلم حطم فكرة البداهة والوضوح التي تقوم عليها الهندسة الإقليدية ومن جهة أخرى فلقد انتقد الفرنسي "روبير بلا نشي" في كتابه (الأكسيوماتيكا) المبادئ الثلاثة للرياضيات الكلاسيكية :  التعريفات الإقليدية ووصفها بأنها تعريفات لغوية لا علاقة لها بالحقيقة الرياضية، فهي تعريفات نجدها في المعاجم اللغوية وهي بذلك لا تهم إلا اللغة وانتقد أيضا بديهية إقليدس (الكل اكبر من الجزء) معتبرا أنها بديهية خاطئة وليست صحيحة، إذ ثبت أنها صحيحة فقط في المجموعات المنتهية يقول "بلانشي": "لم تعد الرياضيات اليوم تتحدث عن المنطلقات الرياضية باعتبارها مبادئ بديهية لأنها في الحقيقة مجرد افتراضات تابعة لاختيار العقل الرياضي الحر" كما أن البديهية أيضا يعتبرها "بلانشي" على أنها صحيحة وصادقة ولا تحتاج إلى برهان في المنطق القديم. لكن في الرياضيات المعاصرة البديهيات قضايا يجب البرهنة على صحتها، وإذا لم نتمكن من ذلك وجب اعتبارها مسلمة أي مصادرة. وهذه الأخيرة أي المصادرات فباعتبارها مسلمات أو موضوعات لا نستطيع البرهنة عليها ففيها تسليم بالعجز، من هنا يعتبر"بلانشي" إن أنسب مبدأ للرياضيات هو مبدأ المصادرات أي المسلمات أو الفرضيات من هنا فإن هندسة إقليدس لم تعد توصف بالكمال المطلق ، ولا تمثل اليقين الفكري الذي لا يمكن نقضه، لقد أصبحت واحدة من عدد غير محدود من الهندسات الممكنة التي لكل منها مسلماتها الخاصة بها

ومن الأدلة التي اعتمدها أنصار النسبية أيضا أن الحقائق الرياضية المتصفة باليقين والصدق عندما تنزل إلى التطبيقات التجريبية، تفقد دقتها وتقع في التقريبات، لأن التعامل معها واقعيا يجعلها مجرد احتمالات تقريبية ممكنة مثال ذلك :p=3.14  أي 22/7 ولكن التقسيم الفعلي لـ 22 على 7 يساوي أكثر من 3.14، فدقة الرياضيات إذن قد لا تنطبق إلا على الأعداد المجردة والأشكال الذهنية. ولكنها تنقلب إلى "تقريبات" إذا ما اتجهت المفاهيم الرياضية نحو الوقائع التجريبية. يقول "آينشطاين": "إن قضايا الرياضيات بقدر ما ترتبط بالواقع بقدر ما تكون غير يقينية و هي بقدر ما تكون يقينية بقدر ما تكون غير مرتبطة بالواقع" كما أن الرياضيات تتصف بالمحدودية والنسبية باعتبارها تعتمد على مسلمات هي اختبارات يضعها العالم الرياضي وفق انسجام منطقي معين، لهذا فهي تعبر عن ممكنات افتراضية وهذا ما يظهر في منهج الاكسيوماتيك. وقد سخر"راسل" من هذا بقوله : "إن الرياضيات هي العلم الذي لا يعرف عما يتحدث، ولا إذا كان ما يتحدث عنه صحيحا" ومن جهة أخرى  نجد أن المفاهيم الرياضية لا يمكن أن نصفها بالمطلقية أي ثابتة لأن الهندسة الإقليدية الكلاسيكية التي كانت إلى القرن 19 مأخوذة كحقيقة مطلقة تغيرت. بدليل تعدد الهندسات (اللاإقليدية) والأنساق فيها، مما يعني أنها مجرد افتراضات تهتم بالانسجام المنطقي بين أجزائها، فقد خالف "لوباتشيفسكي" إقليدس عندما اعتمد على مسلمة : "من خارج مستقيم نستطيع أن نرسم عدة خطوط موازية له"، وبالتالي: "مجموع زوايا المثلث أقل من 180"، وخالفها أيضا الرياضي الألماني "ريمان" الذي اعتقد بأن المكان كروي، ومنه افترض: "من نقطة خارج مستقيم لا نستطيع أن نرسم أي مواز له"، " و بالتالي أن مجموع زوايا المثلث أكبر من 180". ولذلك يقول "بوليغان : "إن كثرة الأنظمة في الهندسة دليل على أن الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة" و بالتالي فالرياضيات إذن ما هي إلا مجرد أنساق افتراضية، من الصعب تحديدها، أو الحكم عليها، وعليه فالرياضيات بالرغم مما حققته من يقين في أساليب البرهنة ودقة في النتائج، فإن لها حدودا تقف عندها ومآخذ تعبر عن نسبيتها

نقد و مناقشة : 

لكن ورغم الأدلة التي قدمها هؤلاء، إلا أن الأخذ بقولهم يعني أن الرياضيات ما هي إلا ضرب من العبث، والتجريد العقلي الذي لا فائدة منه، رغم أن كل الدلائل تثبت أن الرياضيات هي التي تمسك بأدق المفاهيم، وأنها لغة كل العلوم، كما أن "رسل" قد وضع الرياضيات موضع الارتياب والشك، رغم أن الرياضي في كل عملياته يضع نسقه ويشرطه بعدم التناقض ويلتزم بمسلماته إلى نهاية استدلاله، مما يعطي الرياضيات يقينها وقوتها ومطلقيتها. إذن فلقد بالغ أنصار النسبية لأن هذه المآخذ لا يجب أن تدفعنا إلى الشك في قيمة الرياضيات لأنها بموضوعها ومنهجها ونتائجها تبقى النموذج الأرقى الذي بلغته العلوم دقة ويقينا وان كل العلوم أصبحت تعتمد اللغة الرياضية. التي أصبحت أداة ضرورية للتعبير وقابلة لأن تنزل إلى المجال التطبيقي. يرى "بوانكاري" في هذا الشأن، أنها تقدم للعالم الفيزيائي اللغة الوحيدة التي يستطيع التعبير بها، وأنها فيما يقول "بيكار": "لغة ذات قوة عجيبة في التغيير والتنبؤ". وإذا كانت الرياضيات المعاصرة قد أسقطت فكرة البداهة والوضوح والكمال واليقين والمطلقية في الرياضيات الكلاسيكية، وإذا كان الرياضي المعاصر حر في اختيار مقدمات برهانه فهذا لا يعني أن يتعسف في اختياره ووضعها بل يجب أن يخضع في وضعها إلى شروط منطقية صارمة تنسجم فيها هذه المقدمات مع نتائجها انسجاما منطقيا ضروريا. ثم إن تحطيم فكرة البداهة لا يعد تحطيما لقيمة ومطلقية الرياضيات، إنما تجاهلا لقيمة مبادئ العقل الفطرية. كما أن تعدد الأنساق لا يسيء الى اليقين الرياضي بل دليل على خصوبة وفعالية الاستدلال الرياضي، ولذلك فاليقين يبقى محققا داخل كل نسق وكل نسق صحيح ويحقق المطلقية. ومن جهة أخرى، لو كان النسق الأكسيومي قد تجاوز فعلا النسق الإقليدي فلماذا لا يزال الإنسان يعتمد الهندسة الإقليدية في الدراسات المعاصرة

التركيب :

يمكن القول أن الرياضيات مطلقة و نسبية فهي مطلقة من حيث مبادئها و منطلقاتها و أساليب البرهنة التي تعتمدها و نسبية من حيث نتائجها لأن مبادئها بقيت ثابتة دون تغير اما نتائجها فإن أغلبها قائم على التقريب خاصة مع تعدد الأنساق في الهندسة إلا أن هذا التعدد لا ينقص من قيمة اليقين الرياضي الذي يبقى من أدق ما إستطاع أن يصل إليه العقل البشري يقول بوانكاري : " إن هندسة ما ليست أكثر يقينا من هندسة أخرى وإنما فقط اكثر ملاءمة

حل المشكلة : 

يلزم التأكيد مما سبق ذكره أن الاختلاف في نظرة الفلاسفة والمفكرين حول أزمة اليقين الرياضي وتضارب آرائهم ومواقفهم حول تلك المشكلة ، لا ينقص من قيمة أبحاثهم، ولا يسيء إلى البحث الفلسفي في هذا المجال، بقدر ما يزيده قيمة إلى قيمته، ذلك أن هذا الاختلاف يعبر بالدرجة الأولى على مدى حيوية الفكر البشري ومدى قابلته للتنوع والتطور, و عليه نستنتج ان الرياضيات و إن كانت نسبية في بعض إستنتاجاتها إلا أنها تبقى المثال الأعلى و الأول للمعقولية و الدقة و الصرامة البرهانية و هذا ما جعل منها شعارا لمختلف العلوم التي يثبت تاريخها انها لم تبلغ الدقة و اليقين إلا بفضل لغة الرياضيات و هذا ما نلتمسه في قول الفيلسوف الفرنسي برغسون " العلم الحديث وليد الرياضيات "

تحميل المقالة PDF



عن الكاتب

prof mouhamed

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الأستاذ محمد التعليمية