طرح المشكلة :
عرف الإنسان عبر مراحل حياته أنواعا شتى وطرق مختلفة كلا منها يؤدي إلى نوع معين من المعرفة فتارة يعتمد على العقل النظري المجرد ( الإشكالية الفلسفية ) و تارة أخرى يعتمد على الملاحظة و التجريب ( المشكلة العلمية) فإذا اعتبرنا أن كلا من المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية طريق تؤدي بنا إلى الوصول لمعرفة. فهل ثمة وجود علاقة بين المفهومين ؟ وإذا كانت فما طبيعتها ؟ هل هي علاقة تلازم وتبعية ، أم علاقة انفصال ؟ بمعنى آخر .ما هي أوجه الاختلاف وأوجه الاتفاق بين الإشكالية الفلسفية و المشكلة العلمية ؟ وهل يمكن اجاد علاقة بينهما ؟
أوجه الإختلاف :
إن الدراسة النقدية لكل من المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية تجعلنا نؤمن بوجود نقاط اختلاف جوهرية، ويمكن حصرها فيما يلي :
- المشكلة العلمية تدرس من حيث الموضوع الظواهر الطبيعية المحسوسة مثل الاحتباس الحراري، مما تتكون المجموعة الشمسية، مما يتكون الماء أما الإشكالية الفلسفية فتدرس القضايا الميتافيزيقة "أي الغير محسوسة" مثل موضوع الحرية الديمقراطية السياسة الجمال الفن.
- المشكلة العلمية أسئلتها علمية قائمة على منهج علمي تجريبي وفق خطوات الملاحظة الفرضية والتجربة وأخيرا القانون العلمي كنتيجة لعملية البحث أما الإشكالية الفلسفية فأسئلتها قائمة على منهج عقلي تأملي يقوم على الحجج والبراهين المنطقية حتى وإن تعددت الأراء حول ذات القضية يقول هيجل: تكمن قيمة الفلسفة في علم يقينها.
- التفكير العلمي غايته الوصول إلى نظرية وقانون علمي أما التفكير الفلسفي غايته الوصول إلى حقيقة مطلقة فالأول يصاغ باللغة الرمزية رياضية ويقينية دقيقة يقول غاليلي: الطبيعة كتبت قوانينها بلغة رمزية" وأما الثاني يصاغ بطريقة عادية "حروف وكلمات فلسفية".
- المشكلة العلمية متعلقة بما هو يقيني وثابت مثل علوم الرياضيات والعلوم التجريبية وأما الإشكالية الفلسفية يتعلق بما هو معياري ونسبي كعلم الجمال والأخلاق.
- أما السؤال العلمي يثير فينا الدهشة، أي أينما يشعر المرء بالجهل يطرح السؤال يقول ياسبرس: يدفعني الاندهاش إلى المعرفة فيشعرني بجهلي فهو تساؤل مؤقت يستدعي جواب مقنعا أما السؤال الفلسفي يثير فينا إحراجا، بحيث يشعرنا بجهلنا يقول سقراط : "كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئا" فهو تساؤل مستمر يتناول معضلات فلسفية فالأول جزئي يتعلق بمسائل علمية جزئية مثلا في أي درجة حرارة ينصهر الحديد والثاني كلي يتعلق بقضايا فلسفية عامة مثل ما أصل الكون
- المشكلة العلمية نتائجها مقنعة ويمكن حلها بإحدى الطرق العلمية أو العقلية يقول كارل مارکس: إن الإنسانية لا تطرح من المشاكل إلا تلك التي تقدر على حلها أما الإشكالية الفلسفية نتائجها تثير الشكوك وهي غير نهائية وتنتهي بالتناقض أرى الفلاسفة
أوجه الإتفاق :
بالرغم من وجود نقاط اختلاف جوهرية بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية إلا أن هذا لا يمنع من تسجيل نقاط اتفاق جوهرية، فكلاهما من إبداع الفكر الإنساني الذي يوظف التساؤل من أجل المعرفة، إضافة إلى أن كلاهما تعبير عن حالات انفعالية فكرية تنطلق من الدهشة، فهما عبارة عن سؤال الغاية منه بلوغ الحقيقة وإصابة المعرفة وحلول للقضايا المختلفة. كما تعمل المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية على تنمية الفكر البشري، ودفعه إلى البحث كلاهما يحتاج مستوى ثقافيا معينا ورصيد معرفيا سواء لطرحه أو حله
أوجه التداخل:
إن العلاقة التي تربط المشكلة العلمية بالاشكالية الفلسفية هي علاقة تداخل وتكامل وظيفي فكلاهما يؤثر في الأخر ويتأثر به الإشكالية العلمية تؤثر في الإشكالية الفلسفية بدليل ظهور فلسفة معاصرة تعتمد على منهج علمي وأيضا لأن المشكلة العلمية قد تتحول إلى إشكالية فلسفية مثل مشكلة الإستنساخ و قد تتحول الاشكالية الفلسفية لمشكلة علمية مثل نشأة الكون الذي أصبح مشكلة علمية أجابت عنها الفيزياء المعاصرة بالانفجار العظيم لذا يقال : يبدأ العلم حيث تنتهي الفلسفة و أن المشكلة العلمية نشأت في رحم الفلسفة باعتبار الفلسفة أم العلوم. فالإشكالية الفلسفية تضم مجموعة من المشكلات العلمية حيث قال راسل : إذا كان العلم يولد في الصباح فإن الفلسفة تأتي في المساء
الخاتمة :
وفي الأخير نستنتج أن نسبة الترابط بين الإشكالية الفلسفية و المشكلة العلمية تحمل مظهران الأول الاتجاه العقلاني التجريدي والثاني الاتجاه التجريبي الحسي وكلاهما واحد لدى الإنسان باعتبارهما يدفعان إلى طلب المعرفة في مختلف مستوياتها الحسية والاستدلالية ومنه نستنتج في الأخير كخلاصة تم العلم يساند الفلسفة وهي بدورها تسانده ولا يمكن أن يستغني احدهما عن الأخر
ندي بيها 14؟
ردحذف